بحث هذه المدونة الإلكترونية

كنوز التراث الجزائري

عناية الجزائريين بالمخطوطات عبر العصور
د. محمد عبد القادر أحمد

              

اعتنت المكتبة الجزائرية منذ أقدم العصور بالمخطوطات العربية، فجزء منها حفظته فهارس المكتبات العامة، وجزء آخر حفظته لنا المكتبات الخاصة التي قام على جمع مخطوطاتها بعض العلماء الجزائريّين.
ومن أشهر المكتبات الخاصة مكتبة الشيخ ابن الفكون في قسنطينة، ومكتبة الشيخ الهامل قرب بوسعادة، ومكتبة الزاوية الرحمانية بطولقة، ومكتبة الشيخ المهاجي بوهران.
وكانت في تلمسان عدة مكتبات عائلية كمكتبة الشيخ أبي طالب، وما بقي من خزانة القاضي شعيب، وكذلك مكتبة زاوية سيدي أحمد بن يوسف بمدينة مليانة.
كما توجد ذخائر من المخطوطات العربية حفظت عند علماء وادي ميزاب مكتبة الشيخ طفيش وقد حافظت العائلات الجزائرية التي عرف أسلافها بالعلم على ما خلفه الأوائل من تراث عبر القرون تبرّكًاووفاء لذكرى الأجداد.
ومن المكتبات الخاصة المشهورة في القطر الجزائري مكتبة الأمير عبد القادر الجزائري، وكانت تحتوي على الكثير من ذخائر المخطوطات العربية، وقد لازمته مكتبته الكبيرة في تنقلاته إبان مقاومته للاستعمار الفرنسي في بلاده، ومن المؤسف أن جل مخطوطات هذه المكتبة ضاعت في موقعة طاكين التي كانت بينه وبين الفرنسيّين.
وقد تأثر الأمير عبد القادر الجزائري تأثرا كبيرا بسقوط مكتبته ونهبها من قبل المستعمرين، ولم يتسل عن فقدانها زمنا طويلا، وقد روى شاهد من عساكر الفرنسيين أنه كان من الممكن اقتفاء آثار جيش الأمير عبد القادر العائد من منزل الزمالة(العاصمة المتنقلة) لأن أوراق كتب الأمير كانت منتشرة في كل أرض مرت بها العساكر.
كذلك عرفت في التاريخ الجزائري مكتبة أخرى لقيت مصيرا مماثلا لمكتبة الأمير عبد القادر هي مكتبة الشيخ الحداد الجزائري ببلاد القبائل الكبرى، وقد استولى عليها الفرنسيون بعد ثورة سنة 1288هـ، 1871م.
وقد صودرت بعض كتب هذه الخزانة الكبيرة، وضم بعضها إلى قسم المخطوطات في المكتبة الوطنية الحالية.
وتضم المكتبات العالمية مخطوطات ووثائق ألفها علماء جزائريون أو موضوعاتها تهم الجزائر كما هو موجود في مكتبات اسطنبول التي تجمع عددا من المخطوطات، والوثائق الجزائرية التي تتناول تاريخ الجزائر، وقد نقلت هذه المجموعات إبان الحقبة التي كانت فيها الجزائر تحت حكم الدولة العثمانية، كما تضم مكتبات إسبانيا وهولندا وغيرها من الدول الغربية مخطوطات جزائرية.
وكثير من المخطوطات الجزائرية نقلها علماء جزائريون إلى مكتبات المغرب وتونس عندما هاجروا إليها وخاصة بعد العدوان الفرنسي سنة 1246هـ، 1830م، وهذا ما يفسر وجود مؤلفات لعلماء من عائلة المشرفي المعسكرية بمكتبات المغرب.
على أن الكثرة الغالبة من المخطوطات الجزائرية نقلت إلى فرنسا عنوة بعد مصادرتها من قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر ابتداء من سنة 1830م.
والذي يرجع إلى مقدمة فهرس فانيان وهو أول فهرس مطبوع للمخطوطات الشرقية من عربية وتركية وفارسية محفوظة بالمكتبة الوطنية في الجزائر يجد أرقاما وأسماء لمخطوطات ضاعت من المكتبة، فقد ذكر من بين الوثائق الضائعة نحو 200 مجلد من بينها سجلان لقرارات الدايات، والمئات من العقود والرسائل والوثائق الإدارية.
وكما حدث الاعتداء على المكتبة الوطنية حدث أيضا على مكتبة جامعة الجزائر، وقد ثبت لأحد العلماء الجزائريين العاملين في حقل المكتبات والمخطوطات العربية خلافا لما شاع بعد الاستقلال أن مخطوطات مكتبة الجزائر لم تحرق مع غيرها من الكتب المطبوعة يوم احترقت المكتبة الجامعية في السابع من يونية سنة 1962م بل نقلت كلها إلى فرنسا من قبل.
كما تعرضت مكتبات المساجد وخزانات الزوايا والتكايا أكثر من غيرها للنهب والسرقة. وقد اتخذ هذا السطو أحيانا صبغة رسمية كما وقع لكتاب (العبر) لعبد الرحمن بن خلدون الذي نقل من المكتبة الوطنية الجزائرية إلى المكتبة الأهلية في باريس بأمر من الإمبراطور نابليون الثالث.
واعتمد المستشرق الفرنسي دي سلان على هذه النسخة الجزائرية فيما اعتمد عليه من نسخ لنشر الجزء الخاص بتاريخ شمال إفريقيا من تاريخ ابن خلدون.
عناية الأسر الحاكمة بالمخطوطات العربية:
وإذا رجعنا إلى الأسر الحاكمة للقطر الجزائري عبر عصور التاريخ المختلفة لنتبين مدى اهتمامها بحركة التأليف والعناية بالمخطوطات العربية وجمعها وجدنا دولة بني رستم التي حكمت من سنة 144هـ-269هـ فقد أسس أحد أمرائها مكتبة بتاهرت تدعى مكتبة المعصومة.
ثم جاءت الدولة الفاطمية من سنة 269هـ-362هـ وكانت لهم عناية بالمخطوطات العربية ومن بعدهم بنو زيري بتونس، والحماديون بالجزائر من سنة 362هـ-404هـ، ثم استقل الحماديون بالجزائر من سنة 404هـ -547هـ، وقد وجهوا عناية خاصة بالكتب والمخطوطات على اختلاف أنواعها، وكان لهم نشاط كبير في تشجيع العلماء وخاصة في العلوم الرياضية، ويروى أن بعض الأوربيين من سكان روما جاءوا إلى بجاية عاصمة الحماديين ودرسوا فيها مختلف العلوم وخاصة الرياضيات والحساب والجبر والفلك والتنجيم والميقات.
وحكم الموحدون من سنة 547هـ-633هـ وكانت لهم عناية بالكتب المخطوطة وبتشجيع الحركة العلمية في مختلف أنحاء القطر الجزائري من الحدود الغربية إلى بجاية من سنة 633هـ-962هـ. وقد تقدمت الحركة العلمية إبان حكمهم تقدما كبيرا ووجهت عناية بالكتب والمؤلفات العلمية.
واشتغل بعض ملوكهم بتأليف الكتب مثل أبو حمو موسى الثاني الذي حكم ما بين 760هـ-791هـ وألف كتابا عرف باسم«واسطة السلوك في سياسة الملوك»وتلاهم الأتراك الذين امتد حكمهم من سنة 962هـ-1246هـ وتقابل سنة 1830م أي سنة الاحتلال الفرنسي.
ورغم أن الأتراك لم يكونوا مهتمين بالحركة العلمية بالدرجة الأولى إلا أن التراث الذي ورثوه من قبل، ورسوخ الحركة العلمية في الجزائر وامتداد حلقاتها جعل تيار هذه العناية يستمر، كما ساعدت المراكز العلمية المنتشرة في الجزائر على استمرار العناية بالمخطوطات العربية، فقد أدت هذه المراكز من مساجد وزوايا ورباطات ومدارس دورها الفعال في نشر الثقافة العربية بين الطلاب، فقد كانت تدرس فيها كتب الفقه والأصول والتوحيد والقراءات والفلك والتنجيم واللغة والنحو والأدب وغيرها وخاصة ما اتصل بالمدائح النبوية والتوسلات والتضرعات
كما وجهت هذه المراكز عناية خاصة بتحفيظ القرآن الكريم وبإتقان قراءاته المختلفة، ومن أشهر هذه الزوايا زاوية سيدي عبد الرحمن اليلولي بـ«جرجره»في بلاد القبائل الكبرى وزاوية«شلاطة»في بلاد القبائل الكبرى أيضا، وزاوية الهامل، وزاوية طولقة، وزوايا مازونةبالقطاع الوهراني. وقد حافظت هذه الزوايا على الكتب العربية المخطوطة.
وأخيرا جاء الاستعمار الفرنسي من سنة 1830م-1962م، وقد اهتمت قلة من المستشرقين الفرنسيين بجمع المخطوطات العربية وتكوين أول نواة للمكتبة الجزائرية لكن الكثرة منهم قامت بنهب هذه المخطوطات لصالحها ونقلتها إلى فرنسا، وقد عثر على عدد كبير من المخطوطات الجزائرية في مكتبات أسر فرنسية كان أحد أفرادها من الأجيال السابقة عنصرا من عناصر الاحتلال العسكري للبلاد والاستغلال الاقتصادي لخيراتها.
وقد ذكرنا أن بعض المخطوطات المسجلة في فهرس فانيان ضاعت نتيجة لتسربها إلى فرنسا، ويقال إن بعض المخطوطات التي تتصل بالمذهب الإباضي لسكان غرداية في الصحراء جيء بها من الجنوب إلى المكتبة الوطنية، ولكنها لم تسجل في الفهرس وأخذت إلى باريس.
وطيلة مدة الاحتلال نهبت المكتبات العامة والخاصة في أنحاء القطر الجزائري على أيدي المسيرين القدماء للمستعمرة من ضباط وموظفين والمساعدين لهم من مستشرقين وباحثين بطرق شتى من ضغط وتهديد وإغراء ومخادعة أحيانا مقابل دريهمات معدودة.
العناية بالمخطوطات بعد الاستقلال:
بدأت العناية بجمع المخطوطات العربية وتزويد المكتبة الوطنية بها بعد أن أعلنت فرنسا استقلال الجزائر في 3 يولية سنة 1962م وتسليم زمام السلطة إلى الحكومة الجزائرية، ومنذ ذلك التاريخ بدأت المحاولات الجادة لتزويد المكتبة بالمخطوطات المتفرقة في أنحاء القطر الجزائري وقد اتخذت هذه الحملة عدة طرق منها الدعاية، وحث الجمهور على إهداء المكتبة ما قد يكون لديه من المخطوطات، بما سيعود من نفع يحصل عليه العلم، وتحصل عليه البلاد، بإخراج الذخائر من مخابئها، وجعلها في متناول أبناء البلاد من الطلبة والباحثين، وقد استجاب بعض العلماء لهذه الحملة ومن هؤلاء ابن حمودة صاحب الفهرس الملحق بفهرس المكتبة الوطنية والذي يضم ما يقرب من 218 مخطوطا.
كما اتخذت الحملة طريق الشراء وطريق التصوير من المكتبات الأخرى، ولكن المخطوطات المصورة تعد قليلة بالنظر إلى المخطوطات الأصلية وغالبيتها مصورة من الخزانة العامة للكتب والمستندات في الرباط ومن المكتبة الأهلية في باريس.
لجنة بحث ودراسة المخطوطات:
شكلت هذه اللجنة في شهر سبتمبر 1969م وقد حاولت منذ نشأتها تسجيل المخطوطات الموجودة في أنحاء القطر الجزائري في المكتبات الخاصة، ولكن هذه المحاولة لم تتم بعد. وقد بدأت هذه المحاولة تحت إشراف الوزير السابق للتربية الوطنية الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي والذي يشغل الآن منصب وزير الإعلام والثقافة والأستاذ إبراهيم المزهودي عندما كان مديرا للشئون الثقافية في وزارة التربية والذي يشغل حاليا منصب سفير الجزائر في القاهرة والأستاذ محمود بوعياد مدير المكتبة الوطنية.
وقد كلفت لجنة فرعية بوضع فهرس عام موحد ومعرب لمخطوطات المكتبة تشكلت من الأستاذ رابح بونار والأستاذ جلول البدوي الباحثين في قسم المخطوطات بالمكتبة الوطنية عاونهما في هذا العمل الجليل الأساتذة عبد الله نقلي والسيد الطيب بن قادة بالمكتبة الوطنية. وقد بدأت اللجنة عملها في سبتمبر من سنة 1969م بإشراف الأستاذ محمود بوعياد مدير المكتبة، وقد استطاعت اللجنة بعد سنة وبضعة شهور أن تنجز الجزء الأول من هذا الفهرس الذي ينتظر أن تتم طباعته خلال عامي 1972، 1973 وعندما باشرت اللجنة عملها وجدت أمامها عدة فهارس باللغة الفرنسية كفهرس فانيان(E .FAGNAN) وفهرس بيوض، وفهرس بن حمودة، وقد اعتمدت اللجنة هذه الفهارس واعتبرتها مصادرها الأساسية في وضع فهرس المخطوطات العربية لما بذله مؤلفوها من جهود مشكورة لحفظ المخطوطات العربية وصيانتها.
وفيما يلي نبذة تاريخية لما قام به واضعو هذه الفهارس في سبيل صيانة هذا التراث الوطني الجليل، وعلى الأخص فهرس فانيان الذي يعد خلاصة لجهود كبيرة قام بها هو وغيره ممن سبقوه في هذا الجمع. وقد بذل المستشرقون الفرنسيون جهودا نسجلها لهم لجمع المخطوطات العربية في مكتبة واحدة هي المكتبة الوطنية بالجزائر ووضعوا لهذه المخطوطات الفهارس ويمكن ترتيبهم على النحو التالي:
فهرس بير برو قجير:
تعد محاولة بير بروقجير أولى المحاولات التي تجدر الإشارة إليها، ويعد فهرسه الذي كتبه بخط يده أقدم فهرس لمخطوطات الجزائر بعد أن جمع منها مجموعة من المساجد في سنة 1837م وسماه فهرس مكتبة الجزائر ورتبه ترتيبا راعى فيه تاريخ دخول المخطوطات إلى المكتبة الوطنية، وجل المخطوطات التي تضمنها فهرسه وردت عليه من قسنطينة، وبدأ في وضع الفهرس في سنة 1844م وانتهى منه سنة 1851م، ويشتمل فهرسه على 791 مخطوطا.
فهرس دو سلان:
وجاء عمله بعد بير بروقجير، وجاء إلى الجزائر مكلفا بمهمة ثقافية من قبل وزارة التعليم في باريس، وسار إلى قسنطينة واطلع على مكتبة ابن الفكون، ودون ما فيها من مخطوطات ثم أرسل تقريره إلى وزارته في سنة 1845م وضمته كراسة للمخطوطات في 16 صفحة طبعها السيد بول دي بون.
وأقام دو سلان بالجزائر إلى سنة 1858م ثم عاد إلى باريس في نفس العام، وقد استغل عمل من سبقه في البحث عن المخطوطات وزاد عليه، وقد لاحظ فانيان في مقدمة فهرسه أن المخطوطات التي تبتدئ من 990 وتنتهي برقم 1041 هي من خط دوسلان.
وبعد الثورة الوطنية عام 1871م أضيفت كتب الشيخ الحداد إلى المكتبة الوطنية وهي تبتدئ من رقم 1097 وتنتهي برقم غير معروف.
فهرس بير بروقجير الجديد:
قام بير بروقجير في سنة 1879م بتصحيح فهرس الآنسة فوكوني، كما أعاد النظر فيما وضعه قديما وسمى فهرسه الجديد: الفهرس المختصر لمخطوطات المكتبات الفرنسية، وخصص الجزء الثامن عشر من أجزائه للمخطوطات العربية بالجزائر.
وقد طبع هذا الفهرس بدار النشر بباريس سنة 1893م بعناية وزارة التعليم والفنون الجميلة.
فهرس فانيان:
يعد هذا الفهرس خلاصة الفهارس التي سبقته، فقد جمع الفهرس المحاولات الأولى التي قام بها المستشرقون الفرنسيون، والتي لم تصل إلينا، ولكن من يمن الطالع حفظها لنا فهرس فانيان، ولولا هذا الفهرس ما عرفنا عن هذه المحاولات شيئا.
وقد انتفع فانيان بجهود من سبقوه في جمع وفهرسة المخطوطات العربية. ويعد هذا الفهرس الجزء الثامن عشر لمخطوطات المكتبات الفرنسية وفروعها في العمالات المختلفة، بالنظر إلى أن الجزائر كانت في ذلك الوقت ولاية تابعة لفرنسا، ويشتمل هذا الفهرس على 1987 مخطوطا، وقد طبع في باريس سنة 1893م.
وتقتني المكتبة الوطنية في الجزائر نسخة من هذا الفهرس العام.
وقد أصبح هذا الفهرس الآن في حكم نوادر المطبوعات. وهو موضوع باللغة الفرنسية، وقد اشتمل على الموضوعات التالية حسب ترتيب ورودها:
1-النحو.
2-البلاغة.
3-اللغة.
4-المصاحف القرآنية.
5-التفسير.
6-القراءات.
7-الحديث.
8- التوحيد.
9-المواعظ.
10-الأدعية والأذكار.
12-الوصايا.
13- التصوف.
14-الفقه والفتاوى والنوازل(أطول قسم في الفهرس).
15-الرياضيات.
16-الفلك والتنجيم.
17-علوم متنوعة.
18-الرحلات والجغرافيا.
19-التاريخ(وقسمه إلى تاريخ المغرب، وتأريخ إسبانيا، والتاريخ العثماني).
20-التراجم وتشتمل على السيرة النبوية وتراجم الرجال وغيرها.
21-الطب والصيدلة.
22-الدواوين الشعرية.
23-النوادر.
24-الرسائل والإنشاء.
25-القصص والحكايات.
26-ملحق أخير متعدد الموضوعات يبدأ من رقم 1945 حتى الرقم 1987 وهو نهاية الفهرس.
ويحتاج فهرس فانيان إلى إعادة النظر وتحقيق ما جاء فيه من مخطوطات فمثلا يدرج الكتاب تحت باب فقه ولا يكون موضوع الكتاب في الفقه بل يرجع إلى موضوع آخر. كما تحمل بعض المجموعات في الفهرس رقما واحدا، وقد يصل عدد المخطوطات في المجموع الواحد حوالي 20 مخطوطا أو يزيد، والرقم الذي سار عليه الفهرس هو رقم المخطوطات الأول، فإذا كان موضوع المخطوط الأول تاريخ وضع تحت باب التاريخ بغض النظر عن الموضوعات الأخرى، إنما يشير فانيان إلى المخطوطات الأخرى التي يشتمل عليها المجموع في الوصف، ويعطي وصفا كاملا للمخطوطات.
وقد التزم فانيان منهجا سار عليه في وصف المخطوطات التي اشتمل عليها فهرسه فيذكر عنوان الكتاب، واسم مؤلفه، وتاريخ وفاته، وأماكن وجود المخطوطات في مكتبات العالم المختلفة، والجملة الأولى من المخطوط، ونوع الخط، وتاريخ النسخ، والخصائص المميزة، واسم الناسخ، وعدد الأوراق، ووصفها من سلامة أو بتر أو تآكل، ثم مسطرة الطول والعرض، وعدد السطور، والمقياس، والتجليد.
فهرس بيوض:
يعد هذا الفهرس ملحقا للفهرس العام، وضعه السيد عبد الغني بيوض الذي عمل في المكتبة الوطنية بالجزائر إلى ما قبل ثورة التحرير المباركة، وقد أضاف في فهرسه المخطوطات الجديدة التي وردت إلى المكتبة إما بطريق الشراء أو الإهداء، ويضم الفهرس 342 مخطوطا منها 65 مجموعة اشتريت برسوم حررها قاضي محكمة مدينة الجزائر، والباقي تبرع به بعض العلماء كالشيخ الحسن أبي الحبال، والشيخ علي بن الحاج بن موسى، وقد جمع السيد بيوض هذه المخطوطات ووضع لها فهرسا خاصا يبتدئ من رقن 1989 وينتهي برقم 2332.
فهرس المخطوطات العربية لعام 1954:
وهذا الفهرس من ملاحق الفهرس العام أيضا، وهو من جمع الأستاذ محمود بوعياد مدير المكتبة الوطنية في الجزائر ويشتمل على 183 مخطوطا، ويبدأ من رقم 2333 وينتهي برقم 2516.
فهرس مكتبة ابن حمودة:
ويضم نحو 219 مخطوطا، وقد جمعه ورتبه ترتيبا حسنا مدير المكتبة الوطنية الأستاذ محمود بوعياد بمعاونة الأستاذ إبراهيم غرزو ورابح بونار في صيف سنة 1966م. ويعد هذا الفهرس من ملاحق الفهرس العام للمكتبة شأنه في ذلك شأن المفهرسين السابقين.
منهج اللجنة في إعداد فهرس المخطوطات العربية:
عندما بدأت اللجنة عملها وضعت هذه الفهارس أمامها واستفادت منها كثيرا وجعلتها مصادرها الأصلية، كما درست اللجنة فهارس أخرى للمكتبات العربية وانتهت على ضوئها إلى تقسيم المواد إلى قسمين:
القسم الأول ويتضمن:
1-القرآن الكريم.
2-القراءات.
3-التفسير.
4- الحديث.
5- العقائد.
6-التصوف.
7-المواعظ والأوراد والأذكار.
8-أصول الفقه والفقه وملحقاته.
9-علوم اللغة: المعاجم ونحوها.
10-النحو والصرف.
11-العروض.
12- علوم البلاغة: المعاني والبيان والبديع.
القسم الثاني ويتضمن:
1-الأدب.
2-السيرة النبوية.
3-التاريخ.
4-التراجم والمناقب.
5-الجغرافيا والرحلات.
6-الفلسفة والمنطق والأخلاق والسياسة.
7-الرياضيات: الهندسة والحساب والجبر.
8-علم الطبيعة والكيمياء.
9-الفلاحة والصناعة والتجارة ونحوها.
10-الفلك والتنجيم وأسرار الحروف.
11-الطب والصيدلة.
12-الموسيقى.
الترقيم:
نهجت اللجنة في ترقيم المخطوطات المسجلة في الفهرس الجديد منهجا جديدا يختلف في نظامه عما هو موجود في فرس فانيان، فهناك رقمان رقم خارجي يمثل رقم المخطوط في الفهرس الجديد بعد إضافة المخطوطات التي في الملاحق إلى الموضوعات ورقم داخلي بين قوسين يمثل الرقم الأصلي للمخطوطات المسجلة في فهرس فانيان أو فهرس بيوض أو فهرس ابن حمودة، وهذا الرقم الداخلي هو الرقم المعتمد عليه في طلب المخطوط من المكتبة الوطنية، كما رمز إلى فهرس بيوض بالحرف(ب) وإلى فهرس ابن حمودة بالحرف (ح) وتركت أرقام فهرس فانيان بدون رمز.
طريقة وصف المخطوط في الفهرس الجديد:
سارت اللجنة في التعريف بمخطوطات الفهرس الجديد قدر الإمكان على النحو التالي:
1-عنوان الكتاب واسم المؤلف.
2-تاريخ وفاته بالتاريخين الهجري والميلادي.
3-عدد الأوراق ووصف عام لها من حيث الشكل والسلامة، ونوعية التجليد والتسفير والتغليف.
4-وصف الكتاب المادي من طول، وعرض، وعدد سطور، ومقياس بالمليجرامات لا بالسنتيمترات.
5-نوع الخط مع الإشارة إلى خصائصه المميزة من تلوين أو تذهيب، وخطوط غليظة أو رقيقة أو شكل أو غيره.
6-التنبيه إلى ما وقع في الكتاب من خلل كالبتر والتأريض والتمزيق، فإذا كان الكتاب كاملا ذكرت جملة الابتداء فقط، أما إذا كان الكتاب مبتورا فتذكر جملة الابتداء وجملة الانتهاء.
7-تاريخ التأليف، وتاريخ النسخ، بالتاريخين الهجري والميلادي، واسم الناسخ.
8-أماكن وجود المخطوط في المكتبات الأخرى، والتعريف به إذا كان مطبوعا، وتاريخ أولى طبعاته، ومكان طبعه، ومراجع المخطوط نفسه لمن أراد زيادة في التعرف عليه.
9-مراجع ترجمة المؤلف.
ويلاحظ أن اللجنة في منهج تعريفها بالمخطوطات في الفهرس الجديد سارت على النهج الذي اتبعه فانيان بالنظر إلى المخطوط الأول من المجموعة، فإذا كان موضوعه يتناول التوحيد مثلا وضعته في التوحيد ووضعت باقي المخطوطات معه تبعا له، ولم تفرق كل مخطوط من المجموعة عن المخطوط الأول لتلحقه بمادته لما في ذلك من تكرار وتداخل للعمل عند وصف المجموعة.
كما وضعت في آخر الفهرس كشافين عموميين مرتبين على حروف الهجاء أحدهما بأسماء المؤلفين والثاني خاص بأسماء الكتب.
وقد استعانت اللجنة في دراستها للمخطوطات وثبتها في الفهرس الجديد ببعض المصادر الأساسية وأهمها من كتب الفهارس والمعاجم العربية المطبوعة، فهرس أسماء الكتب المخطوطة المحفوظة بخزانة الرباط لليفي بروفنسال، وإيضاح المكنون، وهدية العارفين للبغدادي، وكشف الظنون لحاجي خليفة، وفهرس المخطوطات العربية بالرباط للرجراجي، وفهرس الفهارس والأثبات للكتاني، ومعجم المطبوعات العربية لسركيس ومن كتب التراجم والطبقات التي اعتمدت عليها اللجنة، الدررالكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر، وتعريف الخلف برجال السلف للحفناوي، ومعجم الأدباء لياقوت، ووفيات الأعيان لابن خلكان، والأعلام للزركلي، وطبقات الشافعية للسبكي، وبغية الوعاة للسيوطي، وشذرات الذهب لابن العماد، والكواكب السائرة للغزي، والديباج المذهب لابن فرحون، وخلاصة الأثر للمحبي ومن كتب البلدان معجم ياقوت، وتقويم البلدان للملك الأفضل، وغير ذلك من المصادر العربية التي لا يتسع المقام لسردها.
وتصل المخطوطات العربية الموجودة في المكتبة الوطنية إلى حوالي 2731 مخطوطا وهناك مخطوطات لم تسجل بعد ويمكن أن يبلغ العدد بعد التسجيل إلى نحو ثلاثة آلاف مخطوط والمكتبة في مكانها الحالي تقع في 1 شارع الدكتور فانون، وقد تمّ نقلها إلى مبناها الحالي في سنة 1958م وكانت قبل ذلك التاريخ في بناء تركي على مقربة من جامع كيتشاوة في نهج مل موبا علي ويشغل مبناها القديم في الوقت الراهن حزب جبهة التحرير وتتبع المكتبة في الوقت الحاضر وزارة الإعلام والثّقافة بعد أن كانت تبعيتها في الماضي لوزارة التربية.
وقد مكنتها السلطات العامة من الاستقلال الإداري والمالي ومنحتها مساعدة مالية تكفيها لتحقيق المهام العلمية والثقافية التي حددتها القوانين، والتعليمات الجديدة، وفي مقدمتها جمع الأشتات المتفرقة للتراث الفكري، ووضع الوثائق والمخطوطات التي يتألف منها هذا التراث تحت تصرف الباحثين والدارسين والعلماء.
كما أنشأت المكتبة مختبرا للتصوير مجهزا بأحدث الآلات، وخزائن خاصة معدة لحفظ الأفلام وصيانتها.
والكثرة الغالبة على المخطوطات التي تحتفظ بها المكتبة لعلماء جزائريّين كتبت بالخط المغربي أو الأندلسي أو المغربي المختلط ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
ـ شرح مقامات الحريري لأبي راس المعسكري(ت1226هـ) وهو عالم جزائري.
ـ التحفة المرضية في التاريخ لمحمد بن ميمون الجزائري (كان يعيش في القرن الثاني عشر الهجري) والكتاب على شكل مقامات.
ـ تاريخ آخر بايات وهران لمسلم بن عبد القادر الوهراني(توفي بعد الاحتلال بقليل) ويقوم في الوقت الحاضر على نشره وتحقيقه الأستاذ رابح بونار.
ـ الدرر المكنونة في نوازل مازونة لأبي زكريا يحيى المغيلي المازوني، ولا يزال الكتاب رغم قيمته مخطوطا محفوظا في المكتبة الوطنية تحت رقم 1335، ورقم 1336.
وقد التفت إليه أخيرا باحث أجنبي، وتناوله بالبحث والدراسة، فأصدر مقالين عن الفتاوى المجموعة في المجلدين المخطوطين ووعد القارئ بمواصلة دراسته عن محتوى "الدرر المكنونة".
ـ تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر لمحمد بن قاسم العقباني تحت رقم 1353 وهو من أقيم الوثائق في موضوع الحسبة، والبحث عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتنظيمية والأخلاقية في الجزائر بصفة خاصة، والمغرب العربي بصفة عامة في عهد المؤلف، وقد نشر الكتاب باحث تونسي في السنوات الأخيرة في مجلة استشراقية.
معارض المخطوطات العربية:
ويدخل في إطار عناية الجزائر بالمخطوطات العربية ما تقيمه من معارض للمخطوطات من حين لآخر فقد أقيم يوم 17 فبراير من سنة 1971م معرض للمخطوطات العربية بالمكتبة الوطنية تحت إشراف وزارة الإعلام والثقافة في إطار التبادل الثقافي بين الجزائر وبلجيكا وعرضت خلاله مجموعة من الكتب والمخطوطات العلمية القديمة منها مجموعة رسائل أرسطو مخطوطة باللاتينية ومترجمة إلى العربية، وترجمة لكتاب الفارابي في (العقل)، وترجمة مفقودة للفارابي في (ترتيب العلوم) ثم رسالة في (الطب) للسيوطي وغيرها من المخطوطات والرسائل التاريخية والمقالات العلمية في الطب والتنجيم والفلك. وقد تولى الأستاذ –أبال- المستشرق البلجيكي المعروف تقديم المخطوطات لزوار المعرض الذي استمرّ أسبوعا.
وفي 6 من ديسمبر من العام نفسه سنة 1971م أقيم معرض للكتب العربية التونسية في بهو المكتبة الوطنية في الجزائر ضمن إطار الأسبوع الثقافي التونسي، وبلغ عدد المخطوطات المعروضة والتي تمثل مختلف ميادين المعرفة الإنسانية حوالي 50 مخطوطا وهي من كنوز مكتبات تونس والقيروان، ويعود تاريخ بعض هذه المخطوطات إلى القرن الرابع الهجري(العاشر الميلادي) واحتوى المعرض كذلك على أنواع كثيرة من الكتب القديمة التي تتعلق بمختلف فنون العلم والمعرفة، وكمية من الكتب التي نشرت في السنوات الأخيرة.
وبهذا النشاط الكبير الذي تقوم به الجزائر في المحافظة على التراث القومي وصيانته تعمل على بعث مقومات شخصيتنا العربية الأصيلة ذلك لأن قيام ثقافتنا الحاضرة لا بد أن يعتمد على الأساس القديم، فبغير اطلاعنا على ماضينا وتشبعنا بمؤلفات الآباء والأجداد وآرائهم لن يكون لنا مستقبل أصيل، والأمة التي لا ماضي لها، لا حاضر لها ولا مستقبل.
[نُشِرَ في«مجلّة معهد المخطوطات العربية»(18/1) المجلد الثامن عشر، الجزء الأول، ربيع الثاني 1392هـ-مايو1972م، (ص189-204)]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق