بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 27 سبتمبر 2015

عين المحبة في قمم جبال الشريعة في الجزائر




بجبالها الراسيات ورائحة صنوبرها الحلبي وأرزها الأطلسي، وفي طريقها المنعرجة المحفوفة بالغابات حاليا وبخطر الموت المحدق في سنوات الإرهاب، تعود الحياة إلى جبال الشريعة التي طالما كانت من الأماكن المحرمة على الجزائريين، بعد أن استوطنها الإرهاب لما يزيد عن عشرية كاملة، بكى فيها الصنوبر والأرز.
من قمم جبال الشريعة الواقعة أعالي مدينة البليدة -50 كم غرب العاصمة الجزائر- نشاهد عناقا أبديا، بين زرقة البحر وجبال شنوة بعد المرور بمدينة الورود وسهل المتيجة الأخضر في صورة يخيل للمرء أنه أمام شاشة البلازما الكبيرة، ولا يعود إلى الواقع إلا بامتلاء رئتيه بكمية كبيرة من الهواء النقي البارد. القادمون في رحلة البحث عن الطبيعة الخلابة، يستمتعون بموقع الشريعة الذي يتشكل من منعطفات ومنعرجات تمكن المسافر من رؤية كل معالم مدينة البليدة التي تتناهى في الصغر كلما ارتفعنا نحو القمة.
ويستمر الطريق إلى أن يعانق البصر قرية جبلية بطراز معماري يشبه المدن الألمانية القديمة، هذه المدينة تقع على علو 1500 كيلومتر عن سطح البحر وسط غابات البلوط و الأرز الكثيفة.
وفي القمة لا يمكن للزائر أن يتجاهل اكتظاظ الفتيات حول عين للمحبة وتسمى "العوينة "، جئن للشرب منها، وهذه العين الطبيعية مرتبطة بأسطورة تواترها الأجيال وتقول خالتي الطاووس أنها أحضرت بناتها الثلاث للشرب من هذه العين المباركة لأن كل من تشرب منها يأتيها من يحبها و يتزوج بها.
* كمال العمري: حتى بعدما سمعت أن الحياة قد عادت إلى جبال الشريعة إلا أنني لا آتي إلا مرافقا بعدد من الأهل والأصدقاء، ونغادرها بعد العصر مباشرة خوفا من أي طارئ، فرغم أن عناصر الأمن منتشرة في كل المنطقة لكننا نحتاط دائما، لكننا نستمتع في ذلك اليوم بالهدوء والسكينة ونقاوة الهواء وجمال الطبيعة حيث يلعب الأطفال وسط رائحة البلوط وأشجار التي تخترق الدماغ دفعة واحدة.
* ليلى من العاصمة: سمعت من جدتي أن في قمة الجبل حيث تلتقي القمة بالسحاب ولا يمكن لأحد أن يصل، دفن ولي صالح كان يعمل على تزويج الفتيات ويجمعهن بالرجال الأكفاء، وبعد موته دفن هناك ومازالت بركته تصل إلينا عبر هذه العين، وبمجرد التفكير بأن هذه العين هي عين الحب يصبح للشرب منها طعم آخر، ولايمكن أن ننكر عذوبتها وإن كنت شخصيا لا أومن بما تتوارثه الأجيال من قصص مختلفة حول هذه العينة، أما عن قبولي الشرب منها فهو إرضاء لوالدتي التي لا يمكن أن نغير قناعتها.

* الحاج معمر مهاجر في فرنسا: ألفت المكان وألفت الاصطياف في المنزل الخشبي، فبعدما كنت استأجره من البلدية عندما كانت منطقة الشريعة في فترة عزها ومجدها، أصبحت اليوم أستأجره من أحد المالكين الخواص وبأضعاف مضاعفة. وعلى الرغم من أن المنطقة فقدت حيويتها ونشاطها السياحي بفعل هجرها من قبل سكانها أولا ثم السياح ثانيا، إلا أن خلوتها ومناظرها الجميلة تجلب إليها دائما ذوي النفوس التواقة للهدوء وراحة النفس والكارهة للضوضاء. جبال الشريعة كانت في وقت مضى تعج بالزوار شتاء وصيفا، وكان أهالي المنطقة وهم جميعا من الفلاحين يوفرون لنا العسل واللبن الخالصين.

الاثنين، 7 سبتمبر 2015

مغارة ابن خلدون: في هذا المكان المهمل ولدت 'المقدمة'


         
  
قبل تسع سنوات أحيت الجزائر الذكرى الـ600 لوفاة العلامة عبدالرحمن بن خلدون، حيث أقامت وزارة الثقافة الجزائرية بهذه المناسبة العشرات من الملتقيات الفكرية والندوات الوطنية والدولية وذلك على مدار عام كامل بمدينة فرندة التابعة إداريا لولاية تيارت المعروفة قديما باسم تيهرت والتي تبعد 340 كيلومترا غرب العاصمة الجزائرية، حيث تقف مغارة عبدالرحمن بن خلدون حتى اليوم شاهدة على حدث تاريخي غيّر مجرى العلوم الإنسانية بميلاد كتاب “المقدمة” الذي ألّفه ابن خلدون بعد أربع سنوات من الاعتكاف داخل هذه المغارة (1375-1379)، وصار تأليف هذا الكتاب المرجع، بمثابة إعلان عن وضع أولى لبنات علم الاجتماع البشري.
ويقول المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي “إنّ ابن خلدون قدّم للفكر البشري فلسفة للتاريخ تُعدُّ أعظم عمل لم يسبق أن أنجزه عقلٌ بشري، في أيّ زمان وأيّ مكان من قبل..”.
وتؤكد العديد من المصادر التاريخية أنّ العلامة ابن خلدون اعتكف بهذه المغارة أربع سنوات لتأليف كتابه الهام “المقدمة” كمقدمة لمؤلفه الضخم “كتاب العبر”، وقد اعتبرت المقدمة لاحقا مؤلفا منفصلا ذا طابع موسوعي، إذ تناول فيه ابن خلدون جميع ميادين المعرفة من الشريعة والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والعمران والاجتماع والسياسة والطب.
غير أن قيمة ابن خلدون العلمية والفكرية وقيمة مقدمته العلمية والثقافية لم تشفع للموقع الذي شهد ولادتها ولم تشهد مغارة ابن خلدون إلى اليوم العناية والاهتمام اللذين تستحقهما لكونها ذات رمزية تاريخية تدل على ما بلغه العرب من تقدم في العلوم في ذلك العصر. وتتألف المغارة من مغارة رئيسية تتصل بها غرف صغيرة، ويذكر المؤرخون في كتبهم أن ابن خلدون اتّخذ منها مقاما له، ليس لجمالها ومنعتها وحسب، وإنما لكونها تطلُّ على سهل “التات” الذي كان ممرا رئيسيا لشتى قوافل العرب والبربر؛ وهو الأمر الذي مكّنه من التعرف على أخبار الناس والحكام، بما يتيح له دراسة الظواهر الاجتماعية للمغرب الإسلامي وإخضاعها للمراقبة.

وبعد أن أنهى ابن خلدون كتابة “المقدمة” في السنة الرابعة من إقامته بالمغارة التي كانت تعرف باسم مغارة “بني سلامة”، وكان ذلك في منتصف عام 1377، عكف على تصحيح وتنقيح ما كتبه، ووجد نفسه أمام مشكلة المصادر والمراجع ونفاد الأوراق التي كان يكتب عليها، فقرّر أن ينهي عزلته ويشد الرحال إلى مسقط رأسه تونس حيث ولد وتعلم، ولكن المرض حال دون ذلك.