بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 29 يناير 2014

القصبة... لؤلؤة الآثار التركية بالجزائر




يعد حي القصبة بموقعه ومعالمه وهندسته شاهدًا على ذاكرة الأمة وتاريخ الشعب الجزائري، لاحتوائه على أكبر تجمع عمراني لمبانٍ يعود تاريخ بنائها إلى العهد التركي، حيث كانت مقر السلطان، وقاعدة عسكرية مهمتها الدفاع عن القطر الجزائري، و هي مبنية على طراز تركي عثماني تشبه المتاهة في تداخل أزقتها بحيث لا يستطيع الغريب الخروج منها لوحده لوجود أزقة كثيرة مقطوعة تنتهي بأبواب المنازل والقصبة تحوي عدة أزقة أهمها "زنيقة العرايس" و"زنيقة مراد نزيم بك " وفيها عدة عيون مشهورة كالعين المالحة في باب جديد وبئر جباح في قلب القصبة وزوج عيون في أسفلها.
 إضافة إلى أنها تضم عدة قصور منها قصر مصطفى باشا، وقصر دار الصوف، وقصر دار القادس، وقصر سيدي عبدالرحمن، ودار عزيزة بنت السلطان، وقصر دار الحمرة الذي تحول إلى دار للثقافة إلى جانب قصر أحمد باي الذي يستغله المسرح الوطني، وما زالت هذه القصور موجودة، ومنها ما حُوِّل إلى مكتبات ودور ثقافة، أو مراكز للتأهيل المهني، أو متاحف.
و كذلك تحتوي القصبة على مساجد عديدة هي الجامع الكبير والجامع الجديد وجامع كتشاوة وجامع علي بتشين وجامع السفير وجامع السلطان وجامع سيدي رمضان بالإضافة إلى مساجد صغيرة كمسجد سيدي محمد الشريف، وسيدي عبد الله وسيدي بن علي بالإضافة إلى ضريحها الشهير سيدي عبد الرحمن الثعالبي الذي لا زال يمثل مزارا كبيرا في حي القصبة دون أن ننسى الجامع الكبير الذي تم هدمه في بداية الاستعمار الفرنسي كان يتوسط ما يعرف اليوم بساحة الشهداء.
و كانت القصبة عبارة عن حصن يغلق ليلا وله عدة أبواب في جهاتها الأربع أهمها باب الوادي من الغرب وباب الجديد في الجهة العليا وباب الجزيرة من جهة البحر وباب عزون من جهة الشرق.

                                 
ويعد حي القصبة من الأماكن التي ألهمت الأديب الجزائري الراحل والشهير محمد ديب في رواياته مثل: «دار السبيطار»، و«الحريق»، و«الدار الكبيرة»، وكلها روايات تقع أحداثها في القصبة .
فمن خصوصياتها أن كل البيوت تحتوي على ساحة مربعة الشكل مكشوفة بدون سقف في وسطها يعرف بصحن الدار وبئر ونافورة ماء من حولها بنيت كل شقق البيت في معمار إسلامي متميز وتتميز دور القصبة بنوافذ صغيرة مزينة بقضبان حديدية جميلة وتتميز دور القصبة أيضا بالتقارب الشديد بين بعضها البعض بحيث يسهل جدا القفز من دار إلى دار بل يستطيع الإنسان إجتياز القصبة كلها عبر سطوح المنازل.
و يبلغ عدد سكان القصبة قرابة الخمسين ألف ساكن.
تقول إحصائيات وزارة السياحة الجزائرية إن أغلب السياح الذين يفضلون الجزائر كوجهة لهم من الأوروبيين، وأكثرهم من الفرنسيين، ويؤكد عدد من السكان أنهم يشاهدون العشرات من السياح يتوافدون على القصبة يوميًا، وأنهم يحظون بحفاوة كبيرة، وأن العائلات أصبحت تستضيف، أيضًا، هؤلاء السياح كما جرت العادة في السنوات الماضية.
وحسب تقرير مديرية السياحة فإن مدينة القصبة كان يزورها بين 300 سائح و500 سائح في اليوم خلال الثمانينيات، لينقطع عنها السياح في التسعينيات نهائيًا، أما اليوم فقد بدأت المياه تعود إلى مجاريها، وأصبحت القصبة تستقبل بين 200سائح و400 سائح، وينتظر أن يرتفع العدد ليتجاوز ذلك بكثير.
يشير التقرير، أيضًا، إلى أن عددًا كبيرًا من الصناعيين الفرنسيين ورجال الأعمال الذين يأتون إلى الجزائر يسألون كثيرًا عن القصبة، ويفضل الكثير منهم زيارتها.
وتتطلع وزارة السياحة الجزائرية إلى جذب أكثر من مليون سائح سنويًا إلى القصبة، وأغلب المعالم السياحية في البلاد.
وما زالت القصبة تحافظ على خصوصيتها بوجود محال الخياطة والطرز والنحاس، وهي معروفة بأنها حي البسطاء.
تجارة أخرى أصبحت تستقطب السياح الأجانب والعرب الذين يزورون القصبة، تتمثل في البطاقات البريدية التي تصور مدينة القصبة وبعض عادات السكان.
ورغم تميز هذا الحي بالأزقة الضيقة إلا أنه يضم الكثير من المحال الخاصة بالخياطة ومحال صانعي الحرف التقليدية مثل: صناعة الفخار، والنحاس، والأحذية، والألبسة التقليدية كالفساتين الخاصة بالأعراس.
كما خصصت بعض المراكز في قلب القصبة للتكوين المهني المختص بالحرف والصناعات التقليدية التي تشتهر بها كالطرز على الحرير، وخياطة البرانيس والجلابيات الخاصة بالجزائر.

                                
يجد المتجول في حواري حي القصبة وأزقته الضيقة نفسه أمام مناظر لم يشهدها من قبل، وبين بساطة العيش لدى سكان هذا الحي العتيق، وبراعة الهندسة المعمارية لقصور شيدها حكام أتراك يجد الزائر فسحة للخروج من روتين البنايات العصرية.
ويقصد أغلب السياح المكان برفقة دليل سياحي يمكن انتدابه مباشرة بعد حلول الزائر بالمطار، أو عبر وكالات السياحة والسفر، بل إنهم في الغالب يأتون في رحلات منظمة.
وأمام هذه اللؤلؤة الحضارية لم تتردد منظمة اليونيسكو سنة 1992 في تصنيف قصبة الجزائر ضمن التراث الثقافي العالمي.
فقد بني هذا الحي قبل اختراع وسائل النقل الحديثة و شوارعه عبارة عن أزقة ضيقة
و أنفاق تحت العمارات وسلالم كون مدينة الجزائر مبنية بالتدرج على هضبة تمتد من البحر إلى القمة.وتمثل هذه القصبة نوعا فريدا من المدن الإسلامية
فهي المكان الذي تختلط فيه جمالية الذكرى بشموخ التاريخ و المساجد القديمة، والقصور العثمانية.

هذا المكان الذي يمثل قلب مدينة الجزائر النابض, والذي تولدت في رحمه بذور الثورة الوطنية قد تحول إلى محمية أثرية بقرار من اليونسكو. ولكن البيوت القديمة أخذت في التداعي والانهيار. ولم يبق من الثمانية آلاف منزل التي كانت تضمها هذه المحمية إلا ثلاثة آلاف فقط, القصبة مكان غني بالبشر والتاريخ, ولكنه يحتاج إلى جهد خارق من أجل صيانته والحفاظ عليه من الانهيار,

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق