بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 26 يناير 2014

                                  آثار الجزائر رمز الهوية وبوابة التاريخ

                         




آثار الجزائر ليست مجرد شهود حجرية صامتة, وليست قطع من الفسيفساء المتراصة, أو العملات المطمورة, ولكنها رموز لهوية متأصلة, تغرس جذورها في الرمل, وتمتد عبر أحقاب الزمن, فقد عانى هذا البلد على مدى قرن ونصف من الزمن من استعمار فرنسي طاغ, ظل يشكك في هويته, ويحاول طمس قوميته, ويؤكد للعالم في وقاحة منقطعة النظير أن الجزائر ما هي إلا أرض فرنسية ممتد عبر البحار. وجاءت شواهد الآثار لتؤكد أن هناك شعبا عرف كل طبقات الحضارة البشرية, تراكمت على أرضه, بدءًا من إنسان العصر الحجري, وهو يبحث عن طعامه, إلى ملوك البربر الأسطوريين, ومن قياصرة الرومان, حتى مجيء رايات الفتح الإسلامي, تاريخ ممتد وهوية صلبة ظلت صامتة أمام هذا العته الاستعماري, حتى استعادت الجزائر قوميتها. وكانت الآثار ولا تزال عنوان هذه الهوية القومية.

                        فرنسا تبحث عن شرعيتها
(ابحثوا عن آثار القديس أوغسطين وغيره من القدّيسين والرهبان, يجب أن نثبت أن هذا البلد كان مسيحيًا في الأصل حتى يقتنع الجزائريون بالدخول إلى المسيحية). هكذا أوصى ( الكاردينال لافيجري) جنود الاحتلال الفرنسي مع بداية انتشارهم على أرض الجزائر عام 1843, كان يعتقد أنه فور أن يقتنع الأهالي أن جذورهم مسيحية سوف يدخلون في هذا الدين ويتخلون عن مقاومة الغزو الفرنسي لبلادهم, من هذا المنطلق شجع الكثير من الأساقفة عمليات البحث الأثري, وشاركوا فيها أحيانًا, بحثًا عن بقايا الكنائس ورفات القدّيسين باعتبارها القاعدة التي يستندون إليها في حركتهم التبشيرية.
كان الهدف الديني واحدًا من أهداف عدة, فقد اندفعت فرنسا إلى الغوص في عمليات البحث عن الآثار منذ أن وطأت أقدامها أرض الجزائر, وبدأ العسكريون بأنفسهم تلك الرحلات الاستكشافية. في محاولة لرسم الخرائط التي تتضمن المواقع والطرق العسكرية القديمة. واستعان الجيش الفرنسي بهذه المعلومات في وضع الخطط العسكرية التي تدعم من إحكام سيطرته على البلاد. كما أن المواقع الأثرية قد أمدت الجيش بالأحجار اللازمة حتى يقوم ببناء التحصينات والأماكن الخاصة لإيواء الجنود, وأعاد إحياء المدن القديمة وحولها إلى حاميات من أجل مصلحته العسكرية.
كما قام بزيارة الجزائر طائفة كبيرة من العلماء الذين قادهم فضولهم العلمي ورغبتهم في إبراز التراث الحضاري للحضارات القديمة في هذه المنطقة, وكان الهدف منها استنطاق الشواهد المادية, وكشف طبقات الحضارات التي تراكمت على أرض هذا البلد, ولم يكن غريبًا أن تتكون العديد من الجمعيات الأثرية والمؤسسات العلمية: مثل مصلحة المعالم التاريخية للجزائر, التي أسست عام 1880 وتولت إدارتها مجموعة من المهندسين المعماريين, والمدرسة العليا للآثار في الجزائر التي لعبت دورًا مهمًا في البحث الأثري, واستقبلت كثيرًا من أساتذة التاريخ والآثار من كل أنحاء العالم, ولجنة شمال إفريقيا التي اهتمت بالبحث الأثري في كل شمال إفريقيا.
وأسفر البحث الأثري الدؤوب عن العديد من المواقع الأثرية والكشف عن معالمها التاريخية, ودخلت طائفة من المدن, مثل: (تمقاد وتبسة وجميلة وتيبازة وشرشال وقسنطينة وبطيوة), ضمن المواقع الأثرية, وألحقت بمصلحة المعالم التاريخية ليتسنى لها حمايتها. وقد قامت هذه المصلحة بصيانة هذه الآثار وترميم البعض منها, وإن كانت قد أهملت الآثار الإسلامية, وركزت جهودها على البقايا الرومانية وما قبل ذلك, وتم أيضًا التعريف بالتراث الجزائري, ونُشر العديد من التقارير عن الحفريات في المجلات الأثرية العالمية, وتم جمع النقوش وتصنيفها حسب المدن التي وجدت فيها, وكذا تم جمع القطع النقدية والتعرف على تاريخ صكها, وتصوير لوحات الفسيفساء, ونشر وصفها في سجلات خاصة. ومن المؤكد أن البحث الأثري في الجزائر قد ساهم في إثراء متحف اللوفر بباريس, فقد نقلت إليه الكثير من التحف الفنية والقطع الأثرية, وقد عجز الباحثون الذين نشطوا في هذا المجال في بداية الاحتلال في التصدي لهذا النهب الذي كان منظمًا, ومازالت المحاولات مستمرة من أجل المطالبة باستعادة هذه الآثار.

             محاولة طمس الشخصية القومية

                    
وبالرغم من الآثار التي خلفتها الحضارات التي تراكمت على أرض الجزائر, من عصر الإنسان الحجري, إلى ملوك البربر الذين أقاموا أول دولة منظمة في الصحراء, إلى البحارة الفينيقيين الذين تركوا بصماتهم على موانئ المتوسط, إلى سيطرة الرومان أعظم المهندسين الذين عرفهم التاريخ, إلى رايات الفتح الإسلامي التي جاءت لتمزج بين العرب والبربر في عقيدة واحدة, إلى الحكم العثماني الذي جاء منفذًا ليفك الحصار البحري الذي فرضته الأساطيل المسيحية عليها, بعد هذا كله جاء الغزو الفرنسي محاولا أن ينكر تمامًا أي قومية أو هوية خاصة بالجزائر.
لقد كانت القومية الجزائرية أقدم عهدًا من العديد من الدول الأوربية التي لم تعرف القوميات إلا مع بداية القرن التاسع عشر, وهي أيضا قد سبقت الدول العربية التي كانت لا تزال خاضعة للحكم التركي, فقد كانت دولة ذات سيادة منذ أواخر القرن السابع عشر لا تربطها بالدولة العثمانية سوى خيوط من التبعية الاسمية.
وبالرغم من ذلك فقد حاول المؤرخون الفرنسيون نفي وجود هذه القومية كليًا, وحاولت الكاتبة الفرنسية جوان جيسبي الزعم بأن الشعور القومي لم يكن موجودًا ولم تتحدد ملامح الشخصية الوطنية إلا كرد فعل للاحتلال الفرنسي في منتصف القرن العشرين, وحاول الفرنسيون اختزال هذا التاريخ الطويل وتشويهه. وركزوا فقط على الفترة الرومانية في الجزائر واعتبروا أنفسهم الورثة الحقيقيين لها, أما الوجود الإسلامي الممتد فقد صورته فرنسا على أنه فترات من الصراع والاضطراب بين العرب والبربر, بالتالي فهو لا يعد تاريخًا ملزمًا لهم.
وقد ساقت فرنسا كل هذه الدعاوى لتُدْخل الجزائر في حظيرة ممتلكاتها وتحولها إلى مقاطعة فرنسية تطبق عليها (نظام الإدماج), وأن يكون لاحتلالها صفة الدوام. فأعادت تشكيل المدن الجزائرية لتصبح على غرار المدن الفرنسية, وقامت بغرس أعداد كبيرة من الفرنسيين والأوربيين في الجزائر, مكونة منهم طبقة من المستوطنين الذين لا يدينون بالولاء إلا لفرنسا, ولا يدافعون إلا عن مكاسبهم وتأمين مستقبلهم فوق هذه الأرض, وأصبحوا يحتلون مكاتب كل الإدارات الحكومية, كما سيطروا على الاقتصاد الجزائري, وامتلكوا ثروات ضخمة من العقارات والأراضي الزراعية مكنتهم من فرض نفوذهم على السياسة الفرنسية, وقد مثل أصحاب (الأقدام السوداء) ـ وهو الاسم الذي أطلق على هؤلاء المستوطنين ـ فئة متعصبة مثيرة للشغب, تحتقر المسلمين وتضطهدهم, وهي تدرك أنها فوق كل عقاب, وإن من حقها إقرار القانون والنظام الذي يصلح له, وكانوا هم الذين عارضوا جلاء فرنسا عن الجزائر بعد انتصار الثورة, وكونوا منظمة سرية قامت بالعديد من الأعمال التخريبية.
وبالرغم من صنوف القمع والإجحاف, فإن القومية الجزائرية لم تمت, على العكس من ذلك لقد نمت وتطورت من الاعتراض والاحتجاج إلى الكفاح المسلح, لقد أيقظت كل محاولات الطمس في ضمير هذه الشخصية, استيقظت العقيدة الإسلامية والروح العربية.

                                                      بقايا رومانية

                           
تضم الجزائر مجموعة نادرة من بقايا المدن الرومانية الكاملة, ليس لها نظير في إيطاليا نفسها,. وبالرغم من أنها آثار دارسة, فإنك تستطيع أن تلمح وسط الركام كيف أنها كانت مدنًا متكاملة زاهرة بالحياة. في تيديس ويتماده وتيبازة, مجموعة من المدن التي تؤكد أن هذه المنطقة كانت محطة مهمة في قلب الإمبراطورية الرومانية. فقد كانوا يطلقون عليها إفريقيا الجديدة. وفي (تيبازة), التي تقع شمال العاصمة الجزائرية بحوالي 60 كيلومترًا توجد واحدة من أجمل هذه المدن,
                           ابنة كليوباترا في الجزائر
كانت لكليوباترا ابنة من قيصر هي سيلينا. وقد تربت ذليلة في مقر الإمبراطور أوكتافيوس بعد هزيمة أمها وانتحارها. وعاشت وهي لا تحلم إلا بالانتقام من الرومان والعودة إلى عرش أمها, ولكنها عادت إلى عرش آخر, في بلد آخر هو الجزائر. فقد كان يعيش في روما في ذلك الوقت ابن لأحد زعماء البربر هو (بوبا) وكان أبوه قد ثار هو أيضا على روما ولقي نهاية أليمة, أي أن حال(بوبا) كان يشبه إلى حد كبير حال سيلينا. ورأى الإمبراطور أكتافيوس أن يعقد بين الاثنين زواجًا سياسيًا, وأن يضع بوبا على عرش نوميديا- وهو الاسم القديم للجزائر- حتى يكفيه شر محاربة رجال القبائل, وأن يتخلص في الوقت نفسه من ابنة عدوته القديمة.
وهكذا تنسج الرواية الخيالية خيوطها على أرض من الحقيقة. فقد أقام بوبا بالفعل مملكة كبيرة تمتد حدودها حتى أطراف موريتانيا, ولكنها تدين بالولاء للرومان, ولم يستطع بوبا أن يحقق حلم زوجته بالاستقلال عن الرومان.
فقد كان كما يصفه المؤرخ الجزائري الشيخ مبارك الميلي: (متشيعا للإغريق في العلوم والحضارة, وللرومان في الحكم والسياسة, عديم الغيرة الوطنية والإحساس القومي).

وقد توفيت ابنة كليوباترا في العام السادس بعد الميلاد وأقام لها زوجها هيكلاً ضخما شرق قصره ولم يزل هذا الهيكل موجودًا إلى اليوم, ويعرف بقبر المسيحية, وهي تسمية خاطئة بطبيعة الحال, لأن سيلينا لم تدن بالمسيحية, إذ لم تكن هذه الديانة قد وصلت إلى الجزائر بعد.

هناك تعليق واحد: